دينا عبدالفتاح تكتب : حكيم العرب
6 مايو 1918.. فى تقديرى أن هذا التاريخ ليس تاريخ ميلاد الشيخ زايد آل نهيان مؤسس الإمارات العربية المتحدة، وإنما تاريخ ميلاد أمة بأكملها استطاعت فى أقل من 50 عاماً أن تصبح عاصمة السياحة والتجارة فى العالم، والاقتصاد الأكثر تقدماً فى المنطقة العربية، ومن الاقتصادات الرائدة فى الشرق الأوسط.
فمنذ أن تأسست الإمارات العربية المتحدة عام 1971 فى جهد مشترك عظيم بين الشيخ زايد آل نهيان، والشيخ راشد آل مكتوم، وهى تمثل قصة نجاح تخطت كل المقاييس، فهذه الدولة التى تصنف «حديثة النشأة» تمكنت من القفز إلى المرتبة 29 بين أكبر اقتصادات العالم، وإلى المرتبة السادسة من حيث متوسط نصيب الفرد من الدخل القومى، الأمر الذى يعكس الرفاهية الكبيرة للإماراتيين نتيجة التخطيط المنضبط، والقيم الإنسانية العالية التى غرزها الشيخ زايد فى شعبه.
وقامت فلسفة الشيخ زايد على عدد من المبادئ التى تصدّرها «تقديم الصالح العام على المصلحة الفردية»، و«احترام الإنسانية» و«العمل المستمر الموجّه للإنتاج والبناء والتطوير»، وتُجسّد هذه الفلسفة المقولات المنتشرة عن «حكيم العرب» الذى قال «إن الحاضر الذى نعيشه على هذه الأرض الطيبة هو انتصار على معاناة الماضى وقسوة ظروفه» وأكد «لا يحق للمواطن أن يستأجر فى وطنه لأن السكن حق وليس هبة أو مكرمة».
لذا يعتبر الكثير من العرب، إن لم يكن جميعهم، أن الشيخ زايد يعتبر واحداً من أهم فلاسفة العرب على مدى تاريخهم، حيث تمكّن بأفكاره وعقيدته من بناء دولة أقرب ما تكون للمدينة الفاضلة التى تحدث عنها أفلاطون فى نظرياته ومؤلفاته. وذلك على الرغم من تشكيك الكثيرين فى «مشروع زايد» وقدرته على دمج عدد من الإمارات لتكوين دولة قوية قادرة على بناء مستقبل أفضل لأبنائها.
ولكن جاءت النتيجة رائعة بكل المقاييس، حيث أنتجت جهود الشيخ زايد دولة رائدة فى كل شىء؛ فى الإنسانية قبل التكنولوجيا، وفى التسامح قبل العولمة، وفى القيم والمبادئ قبل النظريات الاقتصادية.
وقد غرز الشيخ زايد حبه فى قلوب كل المصريين من خلال مواقفه المشرفة تجاه مصر، خاصة عندما قال «النفط العربى ليس أغلى من الدم العربى» معلناً حرباً من نوع خاص على أعداء مصر خلال حرب أكتوبر 1973، التى انتصرت فيها الدولة المصرية للعرب جميعاً على الكيان الصهيونى المغتصب بمساندة قوية من دول الخليج العربى وخاصة الإمارات العربية المتحدة.
وقامت سياسة الشيخ زايد على تعزيز التعاون «الإماراتى - المصرى»، منذ إنشاء دولته الموحدة، وقد كانت مصر من بين الدول الأوائل التى اعترفت بالإمارات المتحدة، فور الإعلان عنها، وقدمت لها يد العون فى بناء شبكة علاقات خارجية قوية مع مختلف الأطراف الدوليين، استناداً لقوة مصر على خريطة العالم خلال هذه الفترة وامتداد علاقاتها لمختلف الأقاليم الدولية.
وفى تقديرى، أن تعميق التعاون بين مصر والإمارات حالياً يعد أحد أهم متطلبات الفترة الحالية، فى ضوء المستقبل المشرق الذى ينتظر الدولتين، خاصة بعدما سبقت الإمارات فى مجالات السياحة والتجارة، وتلحق بها مصر حالياً ببناء قاعدة تنموية للمستقبل تشمل مختلف القطاعات الاقتصادية التى تتواكب مع حركة التطور والتغيير حول العالم بالتزامن مع الثورة الصناعية الرابعة التى انطلقت مؤخراً.
حيث تشهد الإمارات تقدماً فى كل شىء، حتى فى الهيكل الإدارى للدولة الذى يضم مسميات وزارية لم يشهدها العالم من قبل مثل وزارات «التسامح، السعادة» التى تستهدف تعزيز جودة الحياة على أرض الإمارات وتعميم الشعور بالسعادة لدى الجميع، سواء الإماراتيون أو أبناء أكثر من 120 جنسية يعيشون على أرض الإمارات ويعملون فى مجالاتها المختلفة، ويشاركون فى بناء واحدة من أهم تجارب التقدم فى التاريخ.
ويعتبر التقدم التكنولوجى سمة رئيسية لدولة الإمارات، حيث شكلت هذه الدولة الرائدة نموذجاً يُحتذَى به فى ربط الوحدات الإدارية ببعضها البعض، وتقديم الخدمات إلكترونياً وتخفيض زمن أداء الخدمات للمواطنين مع رفع مستوى الكفاءة إلى المعايير العالمية المعترف بها.
كما ركزت تجربة الإمارات على تحقيق تقدم عمرانى كبير فى تخطيط المدن، واستدامتها، وعلاقتها بالنظام البيئى، وذلك من خلال فريق من الخبراء العالميين الذين استعانت بهم هذه الدولة فى بناء تجربتها الملهمة.
وأخيراً أدعو كل المصريين والعرب لزيارة «قصر زايد» فى مدينة العين، ذلك القصر الذى حكم منه الشيخ زايد دولته الجديدة، وأصبح منذ عام 2001 مقصداً رئيسياً للزوار ممن يرغبون فى التعرف على تاريخ الإمارات و«فلسفة زايد» وثقافة المجتمع الإماراتى شديد التحضر والرقى.